
فى الطريق توقفت أمام محل لبيع الزهور و أنتقيت وردة واحدة بلدية بيضاء لفها لى البائع فى ورقة شفافة و ربطها من الساق بشريط أبيض رقيق .. و ضعتها بحرص على المقعد المجاور لى و تأملتها .. بدت لى فى رقدتها على تلك الهيئة كجثمان مكفن ربطت ساقاه فأنقبض قلبى .. أبعدت ذلك التصور عن مخيلتى و مضيت فى طريقى فحدث الموت ليس بالأمر العسير على .. اٍرتبطت به حدثا و طقوسا منذ سنين طوال يوم أن كنت عائدا من المدرسة بالبلد العربى الذى نشأت فيه بحكم عمل أبى .. كان يوما ممطرا و كأن السماء أرادت أن تفرغ ما فى جعبتها من مطر دفعة واحدة و قد تكاثفت السحب فبدا النهار نصف مظلم .. كان الطريق المؤدى للبيت يمر بمقبرة تربض على يمينه بين أحضان غابة كثيفة تراصت فيها بعشوائية أشجار الصنوبر ذات الفروع الكثيفة .. و بفضول طفولى وجدت نفسى أتبع جنازة يتقدمها نعش و يسير خلفه عدد قليل من الرجال أندسست بينهم و قد تركت حقيبتى المدرسية بجوار جذع شجرة عملاقة .. حتى وصلت الجنازة الصامتة لقبر مفتوح يقف بداخله رجل أزرق العينين لا أنسى ملامحه القاسية أبدا .. وضع الرجال النعش على الأرض و قد اٍبتل غطاؤه القماشى الأبيض تماما فكانت مياه الأمطار تتجمع فوقه فيما يشبه بركة صغيرة .. رفع أحدهم الغطاء و هو يتمتم بآيات قرآنية فتبعه الآخرون فى دمدمة مبهمة أثارت فى نفسى الجزع ..
و لما نظرت لما بداخل النعش زلزل كيانى وجه شاحب ثلجى لفتاة جميلة مكشوف كعادة أهل تلك البلاد فى التعامل مع الموتى قدرت أنها تكبرنى بأعوام قليلة مغمضة عيناها فى سكون و اٍستسلام أبدى و قد ربط فكها السفلى برباط يلتف من تحت ذقنها الدقيق و معقود فوق رأسها بينما لف جسدها بكفن أبيض و قد ربطت ساقاها باٍحكام ..
لما تناول جسدها رجلان من الواقفين و رفعاه مناولين اٍياه للرجل قاسى الملامح الواقف بالقبر ما أدرى اٍلا و دموع مقهورة حزينة تسيل بغير اٍرادة منى .. و أختفى الرجل حاملا جسد الفتاة بتجويف مظلم على جانب القبر الأيمن ..
بعد أن أنصرف الجميع جلست تحت الشجرة التى تركت أسفلها حقيبتى المدرسية و أجهشت ببكاء حين أسترجعه اليوم يتمزق قلبى حزنا على الطفل الذى أمتلأت روحه شجنا و شفقة على الفتاة التى أبتلعها القبر لتبقى فيه وحيدة عصر يوم نصف مظلم ممطر قاسى البرودة و التى لم يعرفها يوما !!
أصدقكم القول .. أنى قد داومت على زيارة قبرها يوميا لسنوات طوال طوال لم أتخلف فيها اٍلا مرغما حاملا لها زهرة بيضاء كنت أقطفها من الزهور البرية التى تنبت على حافة الغابة حتى صار بينى و بينها رباط صداقة و محبة من العسير شرحه أو فهمه و حوارات و حكايات دارت بينى و بينها لا يعلمها غير الله .. و ملأ روحى اٍحساس غامض أكيد يلازمنى حتى اليوم أنى ما صادفت جنازتها اٍلا لهدف أن أؤنس وحشتها و غربتها بقبرها الذى أبتلع جسدها .. حتى أشتهرت بذلك بين حراس المقابر فظنوا أن لى عزيزا من أهلى بداخل ذلك القبر الذى لم يزره أحد أبدا غيرى فكانوا يعجبون من اٍصرارى و مداومتى على زيارته ..
و قبل أن أغادر بيوم واحد ذلك البلد عائدا لمصر و قد صرت شابا قضيت ساعات طويلة بجانب القبر أناجى صديقتى التى لم أعرف لها اٍسما و أودعها .. و كان آخر ما قلته لها :
- اٍطمئنى فلن أنساك ما حييت !!
و غادرتها و قد اٍستسلمت لغصة مريرة و شجن لا يزول ..
و لما نظرت لما بداخل النعش زلزل كيانى وجه شاحب ثلجى لفتاة جميلة مكشوف كعادة أهل تلك البلاد فى التعامل مع الموتى قدرت أنها تكبرنى بأعوام قليلة مغمضة عيناها فى سكون و اٍستسلام أبدى و قد ربط فكها السفلى برباط يلتف من تحت ذقنها الدقيق و معقود فوق رأسها بينما لف جسدها بكفن أبيض و قد ربطت ساقاها باٍحكام ..
لما تناول جسدها رجلان من الواقفين و رفعاه مناولين اٍياه للرجل قاسى الملامح الواقف بالقبر ما أدرى اٍلا و دموع مقهورة حزينة تسيل بغير اٍرادة منى .. و أختفى الرجل حاملا جسد الفتاة بتجويف مظلم على جانب القبر الأيمن ..
بعد أن أنصرف الجميع جلست تحت الشجرة التى تركت أسفلها حقيبتى المدرسية و أجهشت ببكاء حين أسترجعه اليوم يتمزق قلبى حزنا على الطفل الذى أمتلأت روحه شجنا و شفقة على الفتاة التى أبتلعها القبر لتبقى فيه وحيدة عصر يوم نصف مظلم ممطر قاسى البرودة و التى لم يعرفها يوما !!
أصدقكم القول .. أنى قد داومت على زيارة قبرها يوميا لسنوات طوال طوال لم أتخلف فيها اٍلا مرغما حاملا لها زهرة بيضاء كنت أقطفها من الزهور البرية التى تنبت على حافة الغابة حتى صار بينى و بينها رباط صداقة و محبة من العسير شرحه أو فهمه و حوارات و حكايات دارت بينى و بينها لا يعلمها غير الله .. و ملأ روحى اٍحساس غامض أكيد يلازمنى حتى اليوم أنى ما صادفت جنازتها اٍلا لهدف أن أؤنس وحشتها و غربتها بقبرها الذى أبتلع جسدها .. حتى أشتهرت بذلك بين حراس المقابر فظنوا أن لى عزيزا من أهلى بداخل ذلك القبر الذى لم يزره أحد أبدا غيرى فكانوا يعجبون من اٍصرارى و مداومتى على زيارته ..
و قبل أن أغادر بيوم واحد ذلك البلد عائدا لمصر و قد صرت شابا قضيت ساعات طويلة بجانب القبر أناجى صديقتى التى لم أعرف لها اٍسما و أودعها .. و كان آخر ما قلته لها :
- اٍطمئنى فلن أنساك ما حييت !!
و غادرتها و قد اٍستسلمت لغصة مريرة و شجن لا يزول ..
هناك 41 تعليقًا:
يا عمرو .. والله يا اخى ان للوفاء جذور ممدودة فى الارض وانك من الاوفياء لفتاة مجهولة لك ترقد فى قبر مرصود .. جزاك الله خيرا على وفائك بالرغم من انك لم ترها حية ولم تعرفها ولا تعرف اسمها .. كل التحيه
ارد عليك وعلى تعليقك
انت باين عليك عجوز زينا .. يا اخى انا لم اتهم عبد الناصر لا سمح الله بأى اتهام وقلت بالنص انه وطنى وكان بيحب بلده .. كل ما هنالك انى اذكر تجاربه اللى انهكتنا وسنته اللى موديانا فى داهيه .. بس يا عم عمر .. وانت قلتها بلسانك الحالمون يصلحون لكتابة الشعر .. بس يا عم عمر .. تحياتى
بجد دى قصة حقيقية بجد قصة جميلة جدا واسلوبك جميل جدا
بس المفروض على الاقل تعرف اسمها او حتى سبب موتها
أخي العزيز؛
اكرر شكري مرة أخرى و لو يسمح لي المدونون المصريون ان أتمنى عليهم ان يضعوا لوغو التدوينة البيضاء منذ الآن لأن ذلك سيكون بمثابة الاشهار للحملة وهو ما سيزيد من عدد المشاركين انشاء الله؛ كما ان كل تدوينة تدعو الى المشاركة سيكون مرحبا بها
تحياتي و شكرا لكم
أول تعليق يمكن ما يعجبش حضرتك ...الزهور الايام دي ماعدش لها لون ولا طعم ولا ريحه ...الايام دي الكل بيعاني ...ممكن نعرف لغه الجزمه ...و ثقافه الجزمه وفكر الجزمه راح يودينا لفين؟
لما تسرح بخيالك وانت بتقرا الكلام ده وتتصور المشهد وفي الاخر تفوق تلاقي الخوف ماليك والدموع في عنيك يبقي الحمد لله ان الواحد لسه بيعرف يحس
رحمها الله ورحمنا جميعا واماتنا علي دين الاسلام وتقبل توبتنا وغفر ذنوبانا وادام علينا نعمته
تصفيق حاااااااد
ومظاهرات هاعملها لو ما عملتش الكتاب الى قلتلك عليه والاقيه جاينى فى الدي اتش ال
,من امبارح قريتها ووجعتنى وتخيلتها بجد نقلت الصورة كأنها بتحصل
وجعت قلبى وانا مش ناقصه خالص
ربنا يرحمها ايا كانت ساعات برتبط باشياء فى الحياه وبيكون بينها حاجات كتير رغم البعد اللى بينا
ليه بتلعب بمشاعرنا ليه بضحكنا لما تحب و تبكينا لما تحب؟ ليه كلامك بياسر فيا كدا؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رااااااااااااائعه والله يا استاذ عمرو ومؤثره جدا مش قادره اوصفلك عملت فيّ ايه لما قريتها
طيب دي حقيقيه ولا برضو من نسج الخيال ؟؟
سؤال في الخباثه : هو عمرو بدر اللي بيكتب في الدستور يقرب لحضرتك ؟؟
سلام
ممممممم
لا تعليق بس
شابو بجد
تحياتى
عمرو
ما اجمل الوفاء وما انبل زهرتك
ارسلها معك لكل اموات المسلمين
غفر الله لهم ولنا اللهم امين
استاذ عمرو
بجد القصة جميلة وخلتني اعيش احساس كل كلمة قولتها وتصورت البنت الجميلة دي الراقدة في قبرها ومدي تاثرك بموتها ومدوامة زيارتك ليها بالرغم من عدم وجود معرفة بس حقيقي قصة جميلة تحمل اسمي انواع الوفاء لشخص لا تعرفه
تحياتي
افكارك تدهشني
رائع
فى تاج قراءة عندى عاوزك تتفضل وتحلة يا استاذ
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
استاذي ...الكريم
جئت اليك اتعلم ...واستفيدمما لديكم وقد فاض كرمكم علي وزاد...واشكركم علي زيارتكم الرقيقه ...وتعليقكم البناء...بالتأكيد التاريخ لن ينسي التجاوزات الأمريكيه ولن يغفر التهاون العربي علي كل المستويات من حكام ومحكومين في حق انفسهم.
شرفتني زيارتكم ...واستنير بعلمكم ومناقشتكم الجاده ...شكرا لك سيدي الفاضل،،،،
السلام عليكم::
إزيك يا أ/ عمرو،،
أنا مفكر!! فاكرني،،
معلش انا عارف اني غبت عليك كتير وعلى مدونات كتير،،،معلش بقى الدراسة،،،اظهار الوضع هيستمر بالشكل دوت لغاية لما اخلص وامتحن نص السنة واشم نفسي شوية،،،
بالنسبة للموضوع:
أخ،،،يا سلام لما بتلعبوا بالمشاعر،،،
أنا حاسس اني هروح اصاحب واحدة من القبر دلوقتي من كتر ما اتأثرت،،،
دمت سالماً
يتنفس الوفاء في تشبيهاتك البديعة و تتجسد الصور في سطورك المبدعة و ارق و اقسي تشبه استوقفني كنفن الوردة البيضاءو التقابل مع الفتاة المسجاة بكفنها الابيض
تحياتي اليك دائما و يعجز القلم عن مدح اسلوبك المتفرد
صديقك
يربط الحنين احدنا باشياء قد لا يكون له صلة بها
ربما لاننا نري فيها شئ منا بعد وقت طويل او قبل وقت طويل
قصة مؤثرة
قدرة علي الوفاء لشخص لا نعرفه .. ما بالنا بقدرتنا علي الوقاء والاخلاص لمن نحبه ونعرفه؟؟؟
ازيك وكل سنه وانت طيب والاسره كلها بخير
وايه الاستقبال اللطيف ده
القصه جميله جدا بس حرام عليك انا لسه راجعه من الحج وتعبانه وكل ما ادخل عند حد الاقيه كاتب عن الموت
fashkool
أشكرك يا صديقى للزياره و للتعليق
الوفاء ممكن يأخذ أشكال مختلفه و حتى الاٍرتباط بالأرض و التراب هو أيضا صوره من صور الوفاء
يا صديقى أنا فاهم وجهة نظرك بالنسبه عبد الناصر و قصدى أنى كنت بأؤيدك فيها .. صدقنى يا صديقى الخطأ ليس فى النظريه الناصريه و لكن الخطأ جاء فى تطبيقها و من القائمين عليها
لك كل تحياتى و تقديرى
طالب ثانوى
فاروق حبيبى اٍزيك ؟
ما هو لو اٍتعرف اٍسمها أو سبب موتها يبقى كده خلاص الغرض من الحكايه أنتفى و لكن الفكره هى تبيان مدى قوة الاٍرتباط بالأشياء حتى المجهوله منها بالنسبة لنا و مدى تأثيرها على حياتنا فيما بعد
هى فيها حتة فلسفه كده صغيره
هو..مش..نو
ما هى مجموعة الثقافات دى هى اللى بتشكل الصوره النهائيه للمشهد العبثى اللى بنحياه
فكر فيها كده و أنت بجد تلاقى الحال يهلك من الضحك :)
عاشقه و غلبانه
كلنا بنخاف من المجهول لدرجة أننا بنخاف ندخل فى تجربه خوفا من تبعاتها و بنفضل التقوقع داخل أنفسنا ختى نصل لدرجة الجمود
انا سعيدة وفخورة بيك بس يا ترى فاكر اول حاجة قرأتها كانت ايه وكان عندك كام سنة
قصة مؤثرة
تناولتها بأسلوب راق
أمنياتي
صبرنى يا رب
يا ستى متشكر و ربنا يجبر بخاطرك
و يا مسهل أدينى بأجمع ماده ربما تصلح للنشر فى يوم قريب اٍن شاء الله
متشكر و تحياتى
Appy
معلش لو كنت تسببت لك فى سحابة حزن بسبب حكايتى بس الدنيا مش دايما مبهجه يا آبى
فعلا أحيانا بنرتبط بحاجات ربما تبدو للبعض مش منطقيه لكن فعلا برتبط بيها و على مدار العمر كله
تحياتى و متشكر للزياره و التعليق
غير معرف
مش بألعب بمشاعرك و لا حاجه
أنا بس بسأجل أحداث و أشياء مرت فى حياتى و زى ما قلت فى ردى على آبى الدنيا مش دايما مبهجه .. صح ؟
أنت مين و لا أنتى مين بقى ؟
خمسة فضفضة
و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته
ربما حكايه حقيقيه و ربما لأ .. عموما الاٍختيار لحضرتك بس فكرى فيها شويه قبل ما تقررى :)
لأ مش أنا عمرو بدر اللى بيكتب فى الدستور هو مجرد تشابه أسماء
تقبلى تحياتى و شكرا لزيارتك و تعليقك
princess
متشكر للمرور و للتعليق :)
ماما أموله
أزيك يا ماما نورتى المدونه
ربنا يرحم امواتنا جميعا اللهم آمين
بنات صاحبة الجلالة
متشكر جدا لاٍطرائك و لزيارتك للمدونه بارك الله فيكى و أرجو تكرار الزياره و أكون شاكر جدا
تقبلى تحياتى
امرأة الميزان
أفكارك كمان بتدهشنى .. و بتدهشنى أكتر قدرتك الفذه على تلخيص و اٍيجاز مليون فكره فى كلمتين !!
تحياتى لك يا عزيزتى
طالب ثانوى
حاضر يا فاروق و متشكر لك جدا
هو مش نو
يا أخى أخجلتنى و الله
كلنا بنتعلم من بعض يا عزيزى
و أسمح لى أن أسجل اٍعجابى الخاص بمدونتك الرائعه فلك كل الشكر
أهلا و سهى بك و اٍن شاء الله متواصلين مع بعض
مفكر
عارف أنك مشغول فى الاٍمتحانات ربنا معاك و يوفقك يا دكتور
متشكر للزياره و التعليق و تقبل تحياتى
أحوال الهوى
صديقى الحبيب أشكرك و دمت لى خير صديق رغم مشاغل الدنيا و مشاكلها
لك كل الود و التحيه
kochia
قربتى فى تحليلك جدا لما كنت أراه بين السطور
شكرا يا صديقتى للمرور و التعليق بارك الله فيكى
شمس النهار
حمد لله على رجوعك بالسلامه من الحجاز و ربنا يتقبل اٍن شاء الله و يكتبها لنا زيك يارب
كل سنه و أنتى طيبه و يبدو أن فكرة الموت مسيطره على تفكير الناس و دى حاجه كويسه لعلمك مش وحشه بس يبدو أن التوقيت جه مع عودتك من السفر :)
صدفه ..
من غير عنوان
أشكرك يا عزيزى للمرور و للتعليق ألف شكر
نادرا ما تؤثر فى قصة كهذه - هذا لأنك كتبتها بروحك وليس بعقلك - فعقل البشر لا يستطيع صياغة كلمات كهذه - فربما اوحى لك بتلك القصة من عالم اخر غير عالمنا.
شكرا لك ان اتحت لى الفرصة ان تبث فى نفسى تلك المشاعر التى اشعر بها بعد قراءة قصتك
إرسال تعليق